أقفُ كالمُسافرِ وَبيَدي عَدَسة
حقيبةٌ وخبزٌ وبخُّورٌ لِطردِ الأشباح.
قلتُ إنَّني أقفُ كمُسافِر
وعنَيْتُ أنَّ العالمَ
سيكونُ صَغيراً كالقَعرِ
بقدرِ مَا أنقلُ خطواتي.
▪▪▪
أحببتُ الفجرَ بمزاجِ القُبّرة
النهارَ بِمَزاجِ الجُذورِ الرَّطبَة
أوَّل المَساءِ
وَآخِرَهُ
بِمَزاجِ مَنْ يَوَدُّ اللَّحاقَ بالرَّكب.
…
دائماً وأحياناً
لمرَّاتٍ قليلةٍ ونادرة
بعدما أنتهي كلّياً
تبدأُ الأشياءْ.
▪▪▪
فجأةً أقولُ لَكِ إنّني أحبُّكِ
فتتجمّدين كذراعٍ
تنظُرين نَحوي كمَا تنظُرُ
الأمّهات لأحذيةِ أولادهنّ المُوحِلة
تطلبينَ أنْ أساعدكِ عَلَى النُهوض
وأنتِ مُتشبِّثةٌ بالعُشب.
إلى هَذَا الحدِّ
كانَت الكلمةُ الصّغيرةُ مُحفِّزةً
لأنْ نَقَعَ مَعاً.
▪▪▪
سَأهجر البلادَ
متى ما أصلحتُ سَيَّارتي
متى ما صحوتُ دونَ أن أجِدَ رفيقاً
يهمسُ لي عَنْ بَشَاعَةِ الأيّام دونَ شموسٍ
سَأهجرُ البلادَ
متى مَا كنتُ النّاجيَ الأخير
الّذي يُحَدِّثُ الغُرَباء عنْ مَآثرَ واهِمة.
أعلمُ أنّني أحبُّ العراقَ
وذلكَ ليسَ حُبّاً خالِداً،
أعلمُ أنّها ساعاتٌ تمرُّ كظلالٍ في الأنفاق
لكنّني غداً سأحاولُ الحفاظَ
على ساعةِ موتي.
▪▪▪
أودُّ أنْ ألتفَّ حولَ نَفسي
كَشجرة
عازِماً على ألَّا تَكونَ
لي حاجَةٌ
للرِّيح أوْ للحَجَرْ.
أزدادُ اخضراراً وأنا أستمرُّ
على هَذَا النّحو
أزدادُ سُموّاً
وإخفاقاً
بينَما تُحاوِلونَ أنْ تَصْنَعوا لي شخصيةً
فحسبْ.
أودُّ أنْ أحنَّ
دونَ أنْ أُصدِرَ أصواتاً مَسموعَة،
أنْ أقَهْقِهَ كأشْرعةٍ بعيدةٍ
وأبكي بالتماعَةٍ خاطفةٍ وأليفةٍ مثلَ البَرق.
▪▪▪
الآنْ تَزولُ الشَّمسُ فتعدو الشَّوارعُ إلى الأمام
تلتمعُ الأنهارُ
تحتَ ضوءِ مِصباحٍ بيدٍ ترتعِش
تصغرُ أبوابُ البيوتِ وَيعودُ الصّيادون
على أملِ أنَّ غداً سيكونُ أفضل.
▪▪▪
بجملةٍ وحيدة
يمكنُنا أنْ نهبَ الشَّفقةَ
أكثرَ ممَّا يفعلُ النَّهار
أنْ نقفَ خلفَ أسيجَةِ الحقلِ لتُبهجنَا الأزْهار
يمكنُنا احتسابُ العُمرِ الفائضِ أيضاً
إخفاءُ ضوءِ الشَّمعة باليدِ،
وابتكارُ شَجَرَةٍ ضَخْمَةٍ بظلالٍ فَقَط.
بجملةٍ وَحيدةٍ
يمكنُنا تعريفُ حبِّنا:
نظرَ المرءُ إلى
الأعلى
فانزلقتِ القَدَم.
▪▪▪
كُنَّا نَتَساعدُ أنا وأبي
مِنْ أجلِ تأليفِ أهزوجَةٍ
لمْ يَكُنْ مَوْتُهُ
يخطرُ في البَالِ آنذَاك.
طَرَحَ عليَّ ذاتَ يَوْمٍ
فكرةَ شِراءِ بُندقيَّةٍ فامْتَنَعْتُ
ثمَّ أشارَ نحوَ طيورٍ كثيرة
ونحنُ نتمشَّى.
رغبةً في ألّا أكونَ دَمَوياً وَنَذْلاً في الآنِ نفسِه
كَرِهْتُ صُنْعَ الفِخَاخِ
رغبةً في أنْ أبدو جَلِيلاً مِثلَ أبي الهادِئ وهوَ يَضْغَطُ
على زِنَادِ البُندُقِيّة
أحْبَبتُ الصَّيد.
▪▪▪
أخطِّطُ لملءِ حَياتي
بالألْعابِ السَّاحِرَة،
كأنْ ألمِسَ أيَّ شيء ليصيرَ كلمةً
ومُقابِلَ ألَّا تكونَ حياةُ أحدٍ ما مأساويَّة
ألمَسُهُ فيعودُ لِما كانَ عَلَيه.
إذنْ، لديكِ فرصةٌ جيِّدَةٌ للتَّجربة الآن
ألمسُ إحدى قَدَمَيْكِ
فتصبحُ كَلِمةً
ثمَّ ألمسُها مَرَّةً ثانية
فلا تَرجِعُ قَدَماً!
▪▪▪
لِماذا أحبُّكِ وَكأنَّ رَجُلاً قاسِياً
سَيَنحني ذاتَ مَساءٍ
ليَخْدِمَ امرأتَهُ؟
كأنَّ حياةً وجيزةً
سَتُسْعِدُ كلَّ واحِدٍ مِنَّا بِقَدَرٍ كَافٍ؟
كأنَّ العالَمَ سَيَعودُ نَظِيفاً مِنَ الدَّمِ
الجنودُ سَيتخلَّونَ عَنْ أسلِحَتِهم
وَمَنْ يُلَطِّخُ نَفسَهُ بالوَحْلِ لا يُثيرُ الرُّعبَ.
لماذا يُحِبُّ أحدُنا الآخرَ بعنايَةٍ لا مَثيلَ لَهَا
بِلُهاثٍ مُزدَحِمٍ وَآمِنٍ
كأنَّنا قَطَعْنَا طَريقاً طويلاً فاستلقينا!
▪▪▪
أتعلّم الآن كيف يُضيء النهار لأضيء لك
درباً وعراً
عبر الغابات.
أتعلّم كيف يهطل المطر
لألوّح لك خلف النافذة
قطرةً تلو قطرة.
أتعلّم الآن أن أحبك
لإطالة عمر كلمةٍ ما
الكلمة التي سأقولها لاظهار القدرة على فتْح فمي!
▪▪▪
مشيتِ فبدا لي
عبر الستائر كم كنتِ كثيفة
مثل أشجار تتلاقى،
تلفَتُّ خلفكِ بيدي وحياتي المظلمة وفمي،
صرختُ
دون أن تكون لي القدرة
على إحداث أثر،
تأمّلت خطواتكِ
بعينين تذرف كلُّ عينٍ منهما على حدةٍ،
لكنّي ظللتُ موجوداً
هنا حيث ينحني العشب تحت قدميكِ
بتلقائية
وهناك حيث ينهض العشب مرة أخرى!
قراءة: محمود حسن
<< وجدان | مثل ثلجٍ عائم في قلبٍ وحيد | راضية توميوجدان | لأن أحداً لا يريدني أن أطير | عائشة العبد الله >>