شارك البودكاست

فائزة العزيزة..

أقول لكِ الحقّ.. لقد كانت دهشتي لرسالتكِ أشدّ من دهشتك للإهداء الصغير الذي رفعتُه لكِ.. لماذا أهديتكِ الكتاب؟ تسألين هذا السؤال في رسالتكِ وكأنّكِ لا تعرفينني، ولا تعرفين نفسكِ، ولستِ تُحسّين هذه العلاقة بيني وبينكِ.. ولكنني حينما قرأتُ سؤالكِ لم أمرّ به عارضاً، سمعتُه يدور في رأسي كنحلةٍ ضاعت عن عشّ العسل.. نعم، لماذا؟ وحينما طويتُ رسالتكِ كانت هذه اللماذا اللعينة تحفر ضلوعي بمعوَلٍ مدبّبٍ..

نعم، لماذا أهديتُ الكتاب لكِ؟ لماذا لم أُهْدِهِ، مثلاً، لواحدةٍ من أولئك اللواتي عشنَ مع شبابي: إرواءً لعطشه، ومرفأً لحنينه، وواحةً ــ كاذبة أم صادقة ــ للجدْب الذي أعيش فيه؟ لماذا لم أهده إلى “اللاجئ” الممزوع في التشرّد، والذي كان وحياً عميقاً له؟ لماذا لم أهده إلى الرفاق الذي مزجوا عرَقهم بعرَقي في الطريق الطويل؟ لماذا لم أهده إلى والديّ اللذين عاشا من أجل أن يرياه على ورق؟ لماذا لم أهده إلى أيّ أخٍ لي أحبُّه كما لو كان ذراعي وكبدي؟ نعم.. لماذا لم أهده إلّا لكِ أنتِ؟

نص: غسان كنفاني

قراءة محمود حسن

Series Navigation<< كان ضربًا لفضّ الروح عن الجسديحدثُ أن تكونَ غريباً في بلدٍ غريب… نصٌّ للشاعر أحمد محسن غنيم >>