شارك البودكاست

كتاب جرّ ناعم 

عمر طاهر

توقعت أن تكون المكالمة عابرة مليئة بالأسئلة الساذجة والمشاعر المرتبكة، فى الواقع كانت المكالمة تسير على هذا النحو فى العشرين دقيقة الأولى، لكننى قلت لنفسى فلتكن حقيقيا، أنت تتحدث لشخص تحبه ربما لن تلتقى به فى حياتك مرة أخرى سوى مصادفة، فما الذى يمنع أن تنعش قلبك وأن تدخل عبر أسلاك الهاتف إلى غرفة عناية مركزة بحجم قلبها الرقيق.

باغتها بإعلان إفتقادى لها فصمتت بما يعنى أنها تفتقدنى لدرجة البانتوميم، سألتها عن حياتها الجديدة وعن مرضها الأخير، كانت كعادتها تغلف إجاباتها بسخرية لاذعة، أضحكتنى لدرجة أننى قمت لأعد لنفسى كوبا من الشاى وهى معى على الهاتف، أشعلت سيجارة وأطفئت الأنوار وتوحدت معها، أيقظ صوتها فى قلبى مسارات جديدة للدماء فشعرت بحياة ما تدب فى أركان جسدى.

حكيت لها عن وحدتى، فعرضت على أن تجرى لى جلسة علاج نفسى عبر الهاتف، سألتنى وحكيت، فسرت لى ما لا أفهمه ببراعة وأكدت لى أننى زى الفل وأنى الوحيد فى العالم الذى يعيش متونسا بوحدته لكنه لا يعترف بذلك، قلت لها أن الله خلق الحياة لكى تتم قسمتها على أثنين، رجل وامرأة هكذا تسير الأمور، لا معنى للفرحة ما لم تقتسمها مع أحد فتصبح أكبر على عكس قانون القسمة، والحزن يصبح قاتلا ما لم يتعاطف معك أحد.

كدت أطلب مقابلتها لكن صوت ما ناداها بلقبها الجديد فألتزمت بحدودى، حاولنا إنهاء المكالمة بلباقة ورقة دون جدوى، فاضطررت لأن أنهيها بقوة بحجة أننى مضطر للإستيقاظ مبكرا.

طلبت منى أن أسمح لها بأن تهاتفنى من حين لآخر لتطمئن على، وافقت وأنا أعرف أننى ربما لا أرد عليها فى المرة القادمة.

Series Navigation<< رواية فرج | رضوى عاشوررواية الجزار | حسن الجندي >>