دائرة الكعك
قصة/ سماح موسى
صوت/ آلاء السوسي
هندسة صوتية/ صديق فلفل
360.sadaf.ps/Issues/Issue3/#page/60
في الصورة….
ما تشاهده عينا طفل في الرابعة يركض في شوارع من طين.. سيقانُ رجالٍ هائلة الحجم ينتظرون الحافلات كي تقلهم إلى أعمالهم.. وأطفالٌ يكبرونه بعامٍ أو أكثر في زي المدرسة .. بضع عرباتٍ تجرها أحصنة على مهل محملة بالخضار .. ينادي أصحابها عليها كأغنية صباحية لابد منها..
أصوات في الأجواء….
وتختلط الأصواتُ هنا.. تبدو ضجة لا تفهم منها شيئاً.. بوق مركبة يأتي من بعيد حيناً وأخر من قريب.. صوت الفلافل يسقط في مقلى كبير ينتظره رجالٌ وأطفال ومراهقون يتحلقون حول البائع يتصايحون بكم سيأخذ كل واحد منهم .. وبائع الكعك صوته يأتي ويخفت من بعيد.. يبقى صوت قدميه الصغيرتين كلما وقعتا على الأرض رتيبة متوترة هي الأبرز ..
مع الصغير…
يتتبع الصوت .. يرفع رأسه بأقصى مايتمكن يلمح بائع الكعك وعربته بشكل جزئي خاطف ثم تختفي العربة في الزحام.. يواصل ركضه والماء يتناثر مع كل خطوة وبقع الوحل تلطخ قدميه وبنطاله الصوفيّ دون أن ينتبه..
يدعو في سرّه .. “يا الله اجعل بائع الكعك يتوقف قليلاً .. فلا يعنفني أبي..” وينادي بصوتٍ يتيه مع الزحام لبائع الكعك :” عمو.. عمو.. توقف أريد كعكاً، انتظرني لو سمحت “
للصورة مرة أخرى….
رشاتٌ خفيفة من المطر تداعب الغادين إلى أعمالهم.. وطفلان بزي مدرسة بدءا عراكاً بالأيدي.. مذهولاً توقف طفلُ الرابعةِ يرقب القتال.. وبدأ الأقوى يضرب بالأرجل.. وقع الصغير على الأرض وغطى الوحل ملابسه.. وذاك يضحك ساخراً يهينه بكلمات نابية..
مرتاعاً يرقب ذاك الذي لم تعد تظهر من ملامحه شيئاً تحت الوحل .. يكاد يبكي .. يسمّره الوجع أمام ركلات أرجل الآخر .. لم يعد يسمع شيئاً ولا يشعر إلا بالعجز..
ينتبه فجأة لصوت بوق مُلح من خلفه، يرى أنه في وسط الشارع.. تعود الأصوات تدريجياً إلى وعيه.. يتذكر الكعك.. يشهق بقوة ويركض من جديد تتابعه شتائم السائق لاعناً أهله الذين ينجبون ويرمون أطفالهم للشوارع..
ملتاعاً يعاود تتبع صوت بائع الكعك.. يمسك به من جديد.. يا الله يا الله أنا أحبك اشفق عليّ وأوقف بائع الكعك.. يراه بعد انفراجة في الطريق.. تتسارع خطواته الصغيرة أكثر .. ويستمر في الدعاء والنداء ..
رجلٌ كبير السنّ يوقف بائع الكعك .. ينتشي الصغير ويزيد من ركضه أكثر.. لاهثاً يصل .. بصوت مقطوع النفس يطلب كعكاً ويدفع للبائع ثمنها..
يعود .. بلا مبالاةٍ للمطر الذي يبدو أنه غير رأيه فتوقف .. خطواته الصغيرة تلتهم الطريق.. وجوعه يقضم الكعكة ..