شارك البودكاست

فيلم ترانسيت لباقر الربيعي

دفتر الموت يصارع أصوات الباحثين عن حياة

…………………….

ليس سوى ورقة ما يتبقى من الإنسان

ورقة تحمل اسمه وعمره وعنوانه

مجرد ورقة في سجل كوني مديد فكيف اذا تكاثرت الأوراق وتراكمت من حول كائن فرد

واذا كل تلك الأكداس الورقية ليست سوى هويات بشر غائبين أو مغيبين

على خلفية هذه التراجيديا الصامتة الصاخبة يقدم السينمائي باقر الربيعي فيلمه الجديد ترانسيت.

هنا شخصية الشاهد الوحيد على تلك التراجيديا، إنه الذي يسجّل الموتى في الدفاتر.

تلاحقه أصوات المستغيثين المستنجدين به، الطالبين منه الكشف عن مصير اعزائهم وهل هم مسجلون عنده في دفتر الموت المجاني.

ما هي مشكلة هذه الشخصية وما التحدي الصارخ بالنسبة لها؟

الجواب بعيد وعميق وذا امتداد انساني، انه وببساطة يريد أن يبلغ المتصل على الطرف الآخر بخبر الحياة لا بفاجعة الموت.

أن من يسألون عنه ليس موجودا في سجلات الموتى ربما ما يزال يرفل بالحياة.

يمضي باقر الربيعي بنجاح ملفت في الغوص في الشخصية الوحيدة.

ذلك الممثل المثقل بالهموم الجالس وحيدا وسط اكداس السجلات والاوراق ومن حوله او بالقرب منه هنالك الموتى المسجّون على الأرض بأكفانهم.

موجعة هذه التراجيديا وقاسية.

بل إنني لم اتمالك نفسي من التأثر لدى اتصال الطفلة لتسأل عن مصير ابيها وهل هو مدون في سجلات الراحلين.

ينجح باقر الربيعي في تأسيس ذلك الحوار عن بعد

وتتدفق المشاعر بقوة ومن حسن الحظ بلا بكائيات سوى ما يعتصر الشخصية الرئيسية من ألم.

يدير باقر الربيعي مشاهده ومحورها ذلك الموظف الذي تتجسم على ملامحه وشخصيته كل المأساة في مرحلة من مراحل الحرب.

بالطبع كان بإمكانه تطوير بعض المشاهد الى نوع من المناجاة تحت فكرة: بأي ذنب قتلت؟

بمعنى أن كان بإمكانه صناعة حوار مكثف بينه وبين الضحايا حيث كان ذلك متاح له.

واني كنت أتوقع ان ينتهي الفيلم مع الاتصال بين المرأة وحبيبها الذي يصل الى مسامع مسجّل أسماء الموتى بالصدفة.

كان ذلك كافيا لتقديم رسالة الحياة التي تغلب الشر والحروب

لكن باقر الربيعي كان جريئا بما فيه الكفاية ليمضي بنا الى تلقي اتصالات أخرى وتطوير تلك التراجيديا بالمزيد من الالتقاطات الإضافية والمشاهد الإضافية ومع ذلك لم تضعف سيطرته على السرد الفيلمي ولا سقط الفيلم في الترهل.

اعرف باقر الربيعي منذ اكثر من عقد من الزمن، وهو سينمائي شاب مثابر لم يتوقّف عن تطوير ادواته وتثقيف نفسه

وهذا الفيلم ثمرة متميزة لما وصل اليه من نضج.

اني احث باقر الربيعي على ان يحمل فيلمه بثقة الى المهرجانات فسوف يجد من يستقبله باهتمام.

أخيرا لا بد من كلمة في أداء الممثل البارع أسعد عبد المجيد فقد اجاد هذا الدور ببراعته وخبرته المعهود.

وهو في نظري ممثل كبير ورصين ويبذل جهدا حقيقيا في أداء ادواره ومنها هذا

الفيلم.

* من الطرائف اني قرأت ما يسمى نقد سينمائي عن هذا الفيلم على طريقة كيف تطبخ الطبخة وماهي مكوناتها والاغرب ان ذلك المواطن كاتب ذلك النقد مختلطة عليه ا لامور الى درجة انه ينسب عمل المخرج الى كاتب القصة والسيناريو و(جفصات أخرى ) والخلاصة عدم الاحساس بالفيلم جماليا وعدم التداخل مع الشخصية  والمكان وبهذا تتحول الكتابة الى ملء فراغ لا أكثر.

Series Navigation<< FARHA the Jordanian Movie خمس دقائق سينمائية – تحليل الفيلم الأردني فرحةScreenplay writing Mistakesمحاضرة 1- أخطاء كاتب السيناريو بحسب كاتب السيناريو تيموثي كوبر الحلقة 1 >>
الموسوعة السينمائية