شارك البودكاست

غمرت بيروت في ذروة ازدهارها العمراني والثقافي حرّياتٌ واسعةٌ جدًا، منها بالتأكيد حرية الرأي والتعبير. لكن بيروت في ذروة ازدهارها قلما عرفت الصحافة الحرّة المستقلة، فقد كان لـ”البعث” صحافته (الأحرار وبيروت والراية والصحافة)، وللشيوعيين صحفهم (النداء والأخبار)، وللقوميين العرب صحيفتهم (الحرية)، وللناصريين معظم الصحف (الأنوار والصياد والشعب والمحرّر والحوادث قبل أن ينقلب رئيس تحريرها سليم اللوزي على الناصرية ويصبح مواليًا للسعودية)، وللسوريين القوميين صحفهم (البناء وصباح الخير وصدى لبنان)، ولحزب الكتائب (العمل) وللحزب التقدمي الاشتراكي (الأنباء)، علاوة على عشرات المجلات، مثل الأسبوع العربي والدستور والحوادث والبلاغ والجمهور وغيرها. وكانت جميع الدول العربية تقريبًا تتشكّى من الصحافة اللبنانية؛ فسورية تتشكّى من الصحف الموالية للعراق، والعراق يتشكّى من الصحف الموالية للسعودية أو الموالية لسورية، ومصر تشكو من الصحف المؤيدة للسعودية حينًا، ومن الصحف المناصرة للعراق حينًا آخر، والمغرب يستاء من الصحف أو المجلات المؤيدة للجزائر، وتونس تتشكى من الصحف الموالية لليبيا (“السفير” في بداياتها و”بيروت المساء” أيضًا ثم مجلة الكفاح العربي). ومن طرائف تلك الحقبة أن وفدًا من نقابة الصحافة اللبنانية برئاسة النقيب رياض طه جاء إلى القصر الجمهوري في سنة 1964 لتهنئة الرئيس شارل الحلو بانتخابه رئيسًا للجمهورية، فاستقبلهم الرئيس حلو بعبارة: “أهلاً وسهلاً بكم في وطنكم الثاني لبنان”. ومع ذلك، كانت الصحافة اللبنانية مختلفة عن وصيفاتها العربيات، لامتلاكها حرّيات واسعة لم تنعم بها الصحف العربية الأخرى، ولا سيما في سورية ومصر.

Series Navigation<< رثاء الصحافة اللبنانية.. خمسون عاماً من التألق وعشرون من اليباس (ج1)رثاء الصحافة اللبنانية.. خمسون عامًا من التألق وعشرون من اليباس (ج3) >>