شارك البودكاست

لبيروت وجهان

وجه لحيفا

ونحن صديقان

سجنا ومنفى

قطعنا بلادا وراء بلاد

وها نحن، في تعتعات الدوار

نعود

وزاد المعاد

عناق سريع بباب مطار

أكان اللقاء اعتذارا؟

أكان الوداع فرارا؟

بدون كلام نمد اليدين

ويا ليل يا عين

لا الليل ليل

ولا العين عين

يفرقنا العالم اليعربي

ويجمعنا العالم الأجنبي

ونبقى أجانب في العالمين!

ويبقى الرحيل

مع الريح من منزل في الجليل

إلى الريح

في فندق غامض

يعانق فيه القتيل القتيل

بدون سلام

بدون كلام

تقبّل في عنقي قلبَ أمك

“وربّ أخ لك …”

ألقي بهمي على صدر همك

ونبكي ونضحك

في غربتين…

أتسألني كيف حالي

وأنت جوابُ السؤالِ

عذابي فلة

وموتي قبلة

بلا شفتين

ذهبتُ بعيدا

وعدت وحيدا

يتمتم فيّ عجوزُ حقود:

متى؟ كيف؟ أين؟

متى؟

كيف؟

أين؟

***  

للندنَ وجهان

وجه لحيفا

ونحن رفيقان

خصما وإلفا

يؤرّخنا الحب والموت

في دفتر الأرض

تغريبة للمهاجر

وتغريبة للوطن

ونفضي بأسرارنا للقباب

وننقش أحزاننا في القناطر

ونطلق من جرحنا عندليبا

يزلزل صمت الزمن

ونعجن بالدمع

خبزَ المجازر

أتذكر ضرعا شهياً

رضعناه دون شهيّة؟

وزيتونة غادرتنا

كسائحة أجنبية؟

وعاشقة

ما رحمنا هواها،

وظلت وفيّة؟

أتذكر أيام جُعنا

معاً

وشبعنا

معاً

ثم جعنا

معا

وعشقنا

معا

ثم ضعنا؟

سلام عليك

سلام عليّا

على الحب

يولد

ثم يموت

ـ سلام عليه ـ

ويُبعث حيّا؟

لكل المغنين

أمّ حزينة

وكل مغن

مدينه

تنام

وفي قلبها نجمة

وتصحو

وفي جرحها… غنغرينة؟

ونحن،

شروق الأغاريد كنّا

فهل سنكون

غروب الضغينة؟!

من “الرامة” الخائفة

إلى “البروة” السالفة

إلى دمعة بيننا واقفة

تقوم على الرمل دنيا

وتسقط في الوحل دنيا

وأعداؤنا

لعنةُ

يُحجم الموت

وهي على رسلها زاحفة

وأنصارنا

عملة زائفة

فماذا عساني أفعل وحدي

وماذا ستفعل وحدك

وقد صار لحديَ مهدي

ومهدك لحدك

أأنشد عنك

وتنشد عني

لصحراء قاحلة قاحلة

يموت على ساعديها المغني

وتتركه خلفهما القافلة؟

أتخرج حورية البحر

من صدف القاع

أم أوصدَ البحر أسراره

وانتهينا،

نتمتم سخطاً:

متى؟

كيف؟

أين؟!

تساءلت في ساعة القصف

هل أدركته القذائف

مكباً على نبأ في جريدة؟

وهل أخطاته القذائف

ليشرب كأساً جديدة

ويودع لوعته في قصيدة!

تساءلت: كيف هو الآن

غضبان

جوعان

بردان

خائف؟

وهل فاجأته القذائف؟

وهل أمهلته القذائف؟

وأدنيتُ كفي لوجهك

حاولت أن ألمسه على شاشة التلفزيون

في ضوء قنبلة مشمسة

وكانت قربك جثة طفله

على وجهها وجه حبّي “محمد”

و”وضّاح” يزعق رعبا

على شاشة التلفزيون

يزعق رعبا

ويجذب زند “عمر”

لعل ملاذاً ببعض الحُفر

ومتًّ

ومتًّ

ومات البشر

جميع البشر

ومات القمر

وراحت تكفنه الريح سراً

وتدفنه في هشيم الشجر

ولم يبقَ من عالم الله والناس

إلا خبر

شظايا خبر!

وكانت بقربك جثة

إلى جنب جثة

وفي القلب جثة

وما كان بالقرب مني

سوى دمع عيني

“وربّ أخِ ..”

*** 

لباريس وجهان

وجه لحيفا

ونحن شقيقان

حلماً وسُخفا

وتعرف قلبي

وتعرف حزني

ووردة حبي

وخيبة ظني

وتبصر بيتك في وهج صوتي

وأسمع صوتك

في صمت بيتي

“وربّ أخ ٍ لك”…

فكّرت فيك

ولم يبقَ في الأرض

غير الذين

يحبوننا ميّتين

وإن قدر الله حسن النوايا

فقد يقبلون بنا لاجئين

ومستضعفين

ومستنزفين

وفكرت فيك

وفكرت فيّ

لأن الشهيد

صديق وفيّ!

*** 

لبيروت وجهان

وجه لحيفا

ونحن صديقان

سجنا ومنفى

***

للندن وجهان

وجه لحيفا

ونحن رفيقان

حبا وخوفا

*** 

لباريس وجهان

وجه لحيفا

ونحن شقيقان

قمعا وعسفا

*** 

لتونس وجهان

وجه لحيفا

ونحن غريبان

نحن غريبان

نحن غريبان

ما من زمان

وما من مكان

لماذا؟ لماذا؟

وأين؟

وكيفا؟

ووجه..

لحيفا.

Series Navigation<< أنا يا صديقة متعب بعروبتي نزار قبانيحالة عشق لاوجاع آدم حاتم – مظفر النواب >>