شارك البودكاست

رواية عصفور من الشرق

توفيق الحكيم

تعالج رواية “عصفور من الشرق” لتوفيق الحكيم موضوع (العلاقة بين الشرق والغرب) في ظروف الصدمة التي نشأت عند بدايات النهضة واكتشاف العرب لهول ما وصلت إليه الحضارة الغربية، التي قطعت أشواطاً بعيدة في الرقي والتقدم، عن طريق بطلها “محسن” ذلك الشاب الذي جاء إلى باريس لدراسة الحقوق، وكان مولعاً بالفن، مثالياً في تفكيره، فبهرته المظاهر الباريسية الماثلة في كل شيء، والتي تحيط الآثار الدينية والفنية الجميلة بهالات مادية تسلبها روحانيتها، وتحيلها إلى جماد لا قيمة له، فأعظم الألحان الموسيقية وأجمل السيمفونيات تفقد رونقها في حفلات الأوبرا بسبب ما يلتزم به الناس من تأنّق، وما يخصصونه لمناسباتها من مظاهر البذخ المادي في اللباس والحلي.

هذه المثالية جعلت “محسن” وهو المغرم بالتاريخ الفني العظيم لأوروبا، ولباريس خاصة، لا يستطيع أن ينسجم مع تلك الهالة والمظاهر المادية التي يعيشها الناس هناك، ويظل يعيش في خياله الحالم بفن روحاني خالص، وقد سبب له ذلك أزمات متتالية، كانت أكبرها أزمته مع “سوزي” تلك الفتاة الفرنسية بائعة التذاكر التي كان يتأملها من بعيد، ولا يجرؤ على أن يقترب منها أو يعبر لها عن حبه….

«مَن قال لك ذلك … أتعرف ما هو العِلم أيها الفتى؟ إن العِلم عِلمان: العِلم الظاهر والعِلم الخفي، وإن أوروبا حتى اليومِ طفلة تَعبث تحت أقدام ذلك العِلم الخفي، الذي كانت حضارات أفريقيا وآسيا قد وصلت به حقيقةً إلى قِمَم المعرفة البشرية. أمَّا العِلم الظاهر وحده فهو كلُّ ميدانها.»

تُعَد هذه الرواية من بواكير الأعمال الأدبية التي تناولَت العلاقة بين الشرق والغرب؛ إذ تناوَل فيها «توفيق الحكيم» جانبًا مهمًّا من تلك العلاقة، يتمثَّل في روحانية الشرق ومادية الغرب؛ وذلك من خلال قِصة حب بين «محسن» الشاب المصري العاطفي، و«سوزي» الفتاة الباريسية ذات النزعة المادية، التي لم تكن صادقة في حبها له بقدرِ ما كانت تستخدمه وسيلةً لإثارةِ غيرة حبيبها الفرنسي؛ وهو ما أدَّى إلى فشل هذه العلاقة. كما لا تخلو الرواية من جانب فلسفي مهم يجسِّده العامل الروسي الذي جمعَت بينه وبين «محسن» صداقةٌ وطيدة تخلَّلها حوار فلسفي عميق، ينقد ذلك العامل من خلاله ماديةَ الغرب وحضارته، ويَتوق للعودة إلى الشرق حيث السلام والأمان الروحي.

Series Navigation<< بذور البرتقال الخمس (مغامرات شيرلوك هولمز) | آرثر كونان دويلذو الشفة الملتوية (مغامرات شيرلوك هولمز) | آرثر كونان دويل >>