بقايا أنثى
بقلم / فادي العيسوي
كانت الشمس هذا الفجر ساطعة موردة لكنها كانت باردة، على خلاف صباحات الصيف الحارقة، يرافق بزوغها نسمات لطيفة تنبئ عن يوم جميل وتبشر رقاقات الستائر المعلقة على النافذة، أن الحياة لا زالت قائمة وأن الفرص أمامها كثيرة كي تتمايل هناك مرات ومرات برقة وجمال.
من نفس النافذة، كانت تطل بقايا أنثى على هذا الصباح، انتشلت نفسها قبل أن تفنى وتبلى قبل أن تستحيل عدماً، كانت تظن أن الحياة انتهت وأن الشمس كانت تشرق بلون أسود على المدينة، كانت تظن بزوغ الفجر يأتي مع أول أصوات الصراخ، وينتهي مع إغماءة الليل الإجبارية.
أخذت نفسها إلى سريرها المعهود، جلست عليه دون أن تنام، محاولة أن تستذكر أحلامها التي كانت على هذه الوسادة، تريد أن تسترجع ما كانت ترى في نومها، لعلها ترى أشياء أجمل في يقظتها الآن.
هنا كانت تحلم بأنوثتها الكامنة، كيف ستنثرها أمام من تحب كي تشعل معه الغرائز البشرية. تذكرت كيف كان الحب يوقظها كل يوم وكيف أنها استجابت لنداء قلبها فأهدت نفسها له دون تردد. فلماذا الآن يمنعها من أن تتملكه؟!
كانا معاً كعش الطائر المتشابك، يحتضنان يمامات الحب، ويحفظان لحظات العشق كي تنضج وتخرج من قشرتها. فما بال العش تشتت وانصرف عن التفافه المتين، حتى أسقطت ما توالد من هذا الحب!
كانت تحلم بوجودها في هذا الكون، كيف أنه سيصنع بصمة مفيدة، تجعل ذكرها عند من لحق ذكراً يستحق الاحترام لما قدمت. كانت تريد إكمال دراستها كي تشغل مساحة أكبر مما هي عليه الآن. كان يشجعها على ذلك، وكان معجباً بذلك الحافز الذي يشبه التنور متقد من ذاته ومن داخله.
طلب منها بداية أن تخفض من حرارته كي يناسب أجواءه، وكانت تتنازل له دوما وتصغي لما يطلب دونما تردد. حتى طلب منها أن تطفئ التنور تماماً، فليس يريد له أن ينضج أحلام الدراسة والعمل، ولا أن يصنع أحلاماً أكثر لذة في حياتها.
كانت تحلم أنها تتكلم وتجد من يصغي، أن لها رأياً حراً ليس عن عند أو مكابرة، بل عن وعي وفهم. رأياً يفصح عن وجودها على متن الحياة بعقل ينبض من المعرفة.
لم تكن ترى على هذه الوسادة ما يكمم فمها أو يلجم لسانها، لكنها رأت يده تصنع ذلك، حين كانت تشاركه أطراف الحديث كآدميين كل له رأيه ويجتمعان على الحوار ولا يفرقهما الخلاف. لم تصنع شيئاً سوى أن تكلمت على عكس ما كان يرى!!
أوليس نفسه ذلك الذي كان يتمتع بحوارات بركانية تتماوج من أفكار عميقة ومن فهم كبير، وكان يشعر بلذة تلك النقاشات دونما غيرها. هل أخمدت هذه البراكين كلمات الموافقة حين طلب أن يكون له الرأي من قبل وبعد؟! هل أطبقت على نقاشاتهم قبولها أن تلغي جزءاً من وجودها؟!
لم تكن ترى أمامها سوى إله الحب تسمع له وتطيع دونما رأي أو تردد كانت تظن أنها تتقن في العبادة.
تنازلت عن نفسها كثيراً، حتى استحالت جزءاً من الفراش، أداة يستعملها كما يستخدم ذلك السرير الذي لم يشعر بها حين أراد استبداله.
ها هي تراود نفسها، أحقاً افقدته الفتاة التي أحب، تنازلت عن أجزائها قطعة قطعة حتى أوشكت أن تترك كلها كي تحيي عبادة في الحب. اليوم أدركت أنها لا تعلم شيئاً من تلك النسك!
نهضت عن السرير، وأخذت قراراً ألا تكون جزءاً من فراش. ستنتشل ما تبقى من أنوثتها كي تعيد له ذكورته. وتقيم طاعات الحب في محرابها الصحيح، وتعيد بيت العاشقين على قواعده المتينة.