في عام 1962، وفي داخل سجن الواحات الذي كان مكتظاً بالمعتقلين السياسيينكان الشاعر المصري فؤاد حداد معتقلاً ومعه محمد حمام وأحمد منيب والمناضل زكي مراد.وفي الأول من شهر سبتمبر/أيلول من العام ذاته كان عيد ميلاد زكي مراد الخامس والثلاثونفقرّر رفاقه في الزنزانة تحدّي السجن وظروفه الصعبة من خلال الاحتفال بعيد الميلاد، وفق رواية حفيدة زكي مراد على مدونتها.وزكي مراد مناضل ابن قرية إبريم، صاحب مسيرة كبيرة من الكفاح السياسي، كان شاعراً وأديباً ومترجماً يسارياًتلقّى تعليمه في قريته النوبية بمحافظة أسوان، ثم التحق بجامعة فؤاد الأول في القاهرة لدراسة القانون.فكتب الشاعر الكبير فؤاد حداد كلمات الأغنية، ولحّنها أحمد منيب، ليغنيها محمد حماموكانت بمثابة هدية حاول بها المبدعون الأربعة الخروج من الظلم ومن جدران وقضبان الزنزانة.كان معروفاً عن شاعر العامية فؤاد حداد أن يعزف بكلماته بعيداً عن سوق الأغنية التجاريةويكون متوارياً عن الأضواء حتى إنه ظل لفترة طويلة من حياته لم تخرج أشعاره خارج دوائر المثقفين.حصر حداد نفسه في هذه المنطقة، إلى أن أقنعه الشاعر مجدي نجيب بتحويل بعض من قصائده إلى أغنية، وهو الأمر الذي رواه مجدي بنفسه.إذ قال إن الشاعر عبدالرحيم منصور تحدث إليه بضرور إقناع فؤاد حداد بدخول مجال الأغنية؛ لكي ترى أشعاره النور.وأنه مع ذلك سيلتزم بمراعاة ذوق المستمع، فاقترحا عليه أن يتعاون مع الفنان محمد منير الذي كان يتمتع بقاعدة جماهيرية كبيرة في هذا التوقيت.خرج العديد من الشعراء من تحت عباءة فؤاد حداد، يقول عبدالرحيم منصور، وماذا استفاد حداد بخروجنا من عباءته وأنه أستاذنا؟!ها نحن نقرأ أشعاره في لهفة واستمتاع، بينما هو قابع في بيته بعيدًا عن الناس لا يعرفه غير المثقفين.كانت الحكومة تصادر الأشعار آنذاك، بينما الأغنية لا يمكن أن تصادر؛ لأنها الأكثر انتشاراً، فكانت كلمات فؤاد حداد تشيع البهجة بدلاً من الإحباطوقد كان مولد أغنية فؤاد حداد “الليلة يا سمرا” وهي من الأغاني التي حققت شهرة واسعة في مجال الأغنية، وكانت ضمن ألبوم “شبابيك” لمحمد منير.وهكذا اقتطف محمد منير وأحمد منيب ومعهما عبد الرحيم منصور بعض الأبيات من قصيدة “الليلة يا سمرا” المنشورة في ديوان “رقص ومغنى” لفؤاد حدادرغم أنه كان معروفاً عن فؤاد حداد عدم سماحه لأحد باقتطاف أبيات دون أخرى في قصائده!ولا يخفى على أحد الخلفية السياسية للأغنية، فقد صدرت الأغنية في ألبوم يحمل اسم “شبابيك” عام 1981، أي وقت استرداد طابا من العدو الإسرائيلي.”البنت قالت فستاني منشور على الشط التانيخدنى المراكبي وعداني ورجعت في القمرة الليلة”