معلومات عن الكتاب:
1-العنوان: «التراث والتجديد.. مناقشات وردود»
2-اسم المؤلف: فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف
3-رقم الطبعة وسنة الطبع: الطبعة الثانية، 1437ه – 2016م.
4-دار النشر: دار القدس العربي، القاهرة.
5-عدد صفحات الكتاب: 140 صفحة.
6-عدد الأجزاء: جزء واحد.
في هذا الكتاب دعوى ومقدمات واستدلالات، وفيه أيضًا مناقشات واعتراضات وردود.
يذكر فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، في مقدمة كتابه أنه «… رغم احترامنا للأستاذ الكبير الدكتور حسن حنفي؛ فإن من الواجب العلمي علينا أن نُذكّر بأن مشروعه ومؤلفاته بمجلداته الضخمة جاءت كلها لتقول لنا: إنَّ التراث بأصوله وفروعه لا يصلح للاعتماد عليه في هذا العصر، ولا بد من إعادة إنتاجه وتوظيفه عبر التجديد. وإلى هنا قد نتفق معه بصورة أو بأخرى، إذا تمت عملية التجديد على أساس استبقاء الأصول والثوابت وكل النصوص القطعية، مع الاجتهاد المنضبط بالنقل والعقل في الفروع الظنية القابلة للتحرك لمواكبة ما يستجِدُّ من النوازل والقضايا.. ولكن نختلف معه أشد الاختلاف في أن يجيء التجديد هدمًا وتبديدًا للمسلَّمات الأولى والثوابت القطعية للتراث وأصوله، ومسخه وتشويهه، ثم تقديمه بعد ذلك للمسلمين بحِسبانِه طوق النجاة لحياتهم المعاصرة».
ويؤكد الإمام الأكبر على النظرة المتوازنة للتراث؛ فيقول: «يقتضينا واجب الإنصاف أن نقول: إنّ طائفة من كبار مفكِّرينا الأُصَلاء نظروا إلى التراث نظرة شديدة التوازن، ونبهوا إلى أن إغفال تراثنا العقلي والنقلي في مشروع النهضة هو بمثابة «الانتحار» أو الدمار الحضاري، أو «السقوط» في هاوية لا قرار لها، وأنه لا يتسنَّى لحضارة عربية حديثة أن تستويَ على سُوقها إلا إذا اعتمدت على «تراثها» في عملية التحديث؛ وذلك حتى تستبينَ شخصيتها، وتتحدد لها ملامحها وقَسَماتها بين الحضارات الأخرى، مع التنبيه على أن التراث يؤخذُ منه ويُرَدُّ عليه؛ يؤخذ منه ما يكون ثقافة تقبل أن نعيشها الآن، ويُرَدُّ ما كان منه ثقافة لصيقة بالعصر الذي أنتجها وسوَّغها وارتبطت به ارتباطًا وثيقًا، ولم تَعُدِ الآن من هموم هذا العصر أو صوالحه، وهؤلاء هم الوسطيون الذين آمنوا بثوابت التراث، ونادَوا بالحفاظ عليها، ونظروا إلى متغيراته بعين الاحترام والتقدير، ولكن في إطار تبدلاتها وتحولاتها التاريخية، حسب تطور الظروف وتقدم العصور وطروء المستجِدَّات، ولكن هذا لا يعني أن نحكم عصرنا بمتغيرات عصور لا تلبِّي حاجات هذا العصر، وعلينا أن نفتح باب الاجتهاد».
ثم يُضيف فضيلة الإمام الأكبر: «غير أن طائفة أخرى اشتطَّت في دعوتها؛ فأطلقت حق الاجتهاد لكل مفكر ومثقف، حتى لو كان غير مؤهل وغير مستوفٍ لشروط الاجتهاد وضوابطه، وقد زعم هؤلاء أنهم جديرون بحركة إحياءٍ للتراث بغرض تطويعه لمستجِدَّات العصر، وقد اختلفوا طرائق ومدارس…».
وبعد توقف فضيلة الإمام الأكبر عند كثيرٍ مِن نصوص «التراث والتجديد»، يُجمِلُ فضيلته وجهة نظره فيما يلي:
أولًا: ثمَّةَ فرق بين التجديد وبين التغيير؛ الأول: حفاظٌ على الأصول وإضافة إليها، ونفضٌ لما يتراكم عليها من غبار يحجبها عن الأنظار، والثاني: هدمٌ وبدءٌ جديدٌ مِن فراغ يتم تحت أي اسمٍ، إلا اسم التجديد؛ اللهم إلا إذا كان القصدُ تغييبَ الوعي، أو خداع الجماهير.
ثانيًا: إن التراث والتجديد ينتهي بنا في التحليل الأخير إلى المتاهات الآتية:
الأولى: اعتبار الإسلام مُعطًى تاريخيًّا، وواقعة حضارية حدثت في التاريخ، يُهِمُّنا منه ما نشأ بوصفه حضارة، وليس مصدره: مِن أين أتى؟ تُهِمُّنا حضارتُه بعد حدوثه بالفعل، وتجديد التراث ليس هو البحث عن النشأة، بل عن التطور.
الثانية: البداية العملية للتغيير تعني البدء بالواقع، واعتبارَه المصدر الأول والأخير لكل فكرة.
الثالثة: تحريم عملية التغيير على الطبقة البورجوازية أو مَن ينتمي إليها، وإسناد المَهَمَّةِ بكاملها إلى «الطليعة» المنتسبة نفسيًّا ونضاليًّا إلى الطبقة العاملة.
ومِن حقنا أن نقرر: أن «التراث والتجديد» -في هذا الإطار- نظرة خاصة وشخصية إلى أبعد حد ممكن، وأنه لا يعبِّر عن آلام وآمال الجماهير، بل جاء تعبيرًا عن آمال فئة محدودة العدد جدًّا، وإلى الحد الذي يُسقطها من حساب النسبة والتناسب.
ومن حقنا أيضًا أن نقول: إن تجديد التراث الإسلامي لا يُحسنه إلا عالم ثابت القدمين في دراسة المنقول والمعقول، فاهمٌ لطبيعة التراث ولطبيعة المناهج وأدوات التحليل الفكري المستخدَمة في البحث والتقصِّي، وهل تتلاءم مع طبيعة تراث يعتمد على أصول ثابتة موجَّهة للواقع وحاكمة عليه، أو تتنافر معه منذ الخطوة الأولى من البحث؟
والذي لا شك فيه أن «التراث والتجديد» -بل أكثر مشاريع التجديد- خلا من هذه الشروط الضرورية، ونظرَ إلى تراثنا في أصوله الثابتة مِن منظار منهج تطوري، أُولى مسلـَّماته: أن لا ثابتَ ولا مقدَّسَ، فلا شك أن تجيء النتائج كلها مضطربة متناقضة؛ الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن أهداف مثل هذه الدراسات، وهل هي –حقيقة- تجديد لتراث الأمة الإسلامية، وبحث عن هُوِيَّتِها وتأكيد لِذاتِيَّتِها، أو هو استئصال لما تبقَّى من عناصر قوتها وحيويتها؛ تأكيدًا لاستمرار التبعية، واستلاب الذات.
كما نسجِّل أيضًا: أن مشروع «التراث والتجديد» قد أهدر كثيرًا من دَلالات النصوص اللغوية والتاريخية لحساب رؤية خاصة لم تَحُلَّ الإشكالَ، بل زادته اضطرابًا وغموضًا.
ثالثًا: لا ننكر أننا في حاجة إلى التجديد، بل مشكلتنا الأم: هي غَيْبة التجديد، لكن شريطة الوضوح والفصل بين مجال الثوابت ومجال المتغيرات، والتفرقة الحاسمة بين أصول الدين وتراث أصول الدين.
ومِن المؤسف -حقـًّا- أن نقرر: أن ارتباط جماهيرنا بالتراث مقصور على مجال العبادات، بينما يختفي هذا الارتباط -أو يكاد- في مجال العمليات والاجتماعيات، وأنه لا يزال أمام دعاة المسلمين مِن أُولي الفهم والوعي الكثيرُ مما هو مطلوب لربط المسلم بتراثه في هذا المجال.
رابعًا: لا أرى أن التراث هو المحرِّك لتصرفاتنا، والمسئول الأول والأخير عن أزماتنا المعاصِرة، بل أستطيع أن أنطلق من نقيض هذه الدعوى -وأزعم أننا لا نستلهم تراثنا الإسلامي في كثير مما نفعل أو نترك… وإلا فأين في أمَّتنا العربية؟- والتي يعلقون تخلُّفَها على مِشجَبِ التراث، أين فيها هذا المجتمع الذي تنضبط قواعد حياته على أصول الحلال والحرام في التراث؟
ولنضرب لذلك – مثلاً- موقف مجتمعاتنا الإسلامية من المرأة.. إن بعض هذه المجتمعات يَنظر إليها في إطار «العورة»، ويصادر في هذا الإطار كثيرًا من حقوقها التي يُقرِّرُها الإسلام والإنسانية في وضوح لا لبسَ فيه؛ هل هذا الموقف مقولة تراثية إسلامية، أو هو مرض مزمن وَرِثناه من عصر ما قبل الإسلام؟
نموذج آخر: والبعض الآخر مِن مجتمعاتنا يَنظر إليها في إطار غربي تختلط فيه الإيجابيات والسلبيات معًا؛ فهل هذه نظرة تراثية إسلامية أو هو انسحاقٌ في تراث آخر غير تراث الإسلام؟
إن هذا أو ذاك تقليد وافد على تراثنا من خلف ومن أمام، ولا يستطيع منصف أن يُلحق أيًّا منهما بتراث الإسلام، ونحن لا نُنكر أن في تراثنا أقوالًا منغلقة، وفهومًا قبَليَّة قدَّمت لنا أحكامًا خالية من رُوح النصِّ ومقاصده، بل ومتعارضة مع رُوح النص ومقاصده، ولكن -وبكل التأكيد- ليس هذا هو التوجُّهَ السائدَ، أو التوجُّهَ الأغلبَ في هذا التراث المظلوم.
وإذًا.. فقدرٌ كبيرٌ جدًّا من أنماط سلوكنا لا يعكس تراثنا الإسلامي بقدر ما يعكس: إما تأثيرات مزمنة من مجتمعات قَبَلية سابقة على ظهور الإسلام، أو تأثرات مُستجلَبة من بيئات غريبة، أو من خليط غير متجانس ولا متوازن بين هذين المصدرين المتضادين؛ فليس صحيحًا ما يؤكده «التراث والتجديد» من أن سبب خلط الأوراق في أذهاننا هو أننا نعمل بـ«الكندي»، ونتنفس بـ«الفارابي»، ونرى «ابن سينا» في كل الطرقات، بل المشكلة -فيما أرى- أننا نعيش عصرنا وإحدى قدمينا في ميدان «داحس والغبراء» والأخرى في «البيكادلي والشانزليزيه»، وغياب التراث الحقيقي كان دائمًا مصدر الخلل، وستظل مقولاته الثابتة هي الحَلْقةَ المفقودةَ لاستعادة توازن المسلمين في عصرهم الحاضر».
ويشتمل كتاب «التراث والتجديد.. مناقشات وردود» للإمام الأكبر، على عدة مباحث؛ من أبرزها: اتجاهات التجديد في التراث، المدرسة المغربية في تجديد التراث، المدرسة المصرية في تجديد التراث، مفهوم التراث عند مدرسة «التراث والتجديد»، التراث والواقع، التراث القديم وأثره في حياتنا المعاصرة، تغيير المحاور المركزية في هذه المدرسة، الإيمان والإلحاد في مدرسة «التراث والتجديد»